الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال القرطبي: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6)}قد تقدم القول في المِيزان في (الأعراف والكهف والأنبياء). وأن له كِفَّةً ولسانًا توزن فيه الصحف المكتوب فيها الحسنات والسيئات. ثم قيل: إنه ميزان واحد بيد جبريل يزِن أعمال بني آدم، فعبَّر عنه بلفظ الجمع.وقيل: موازين، كما قال:وقد ذكرناه فيما تقدم.لا وذكرناه أيضًا في كتاب (التذكِرة) وقيل: إن الموازين الحُجَج والدلائل، قاله عبد العزيز بن يحيى، واستشهد بقول الشاعر: ومعنى {عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} أي عيش مَرْضيّ، يرضاه صاحبه.وقيل: {عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} أي فاعلة للرضا، وهو اللين والانقياد لأهلها.فالفعل للعيشة لأنها أعطت الرضا من نفسها، وهو اللين والانقياد.فالعيشة كلمة تجمع النِّعَم التي في الجنة، فهي فاعلة للرضا، كالفُرُش المرفوعة، وارتفاعها مقدار مائة عام، فإذا دنا منها ولِي الله اتضعت حتى يستوي عليها، ثم ترتفع كهيئتها، ومثل الشجرة فرعها، كذلك أيضًا من الارتفاع، فإذا اشتهى ولِيُّ الله ثمرتها تدلت إليه، حتى يتناولها ولِيّ الله قاعدًا وقائمًا، وذلك قوله تعالى: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة: 23].وحيثما مشى أو ينتقل من مكان إلى مكان، جرى معه نهر حيث شاء، عُلُوًّا وسُفْلًا، وذلك قوله تعالى: {يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} [الإنسان: 6].فيروى في الخبر «إنه يشير بقضيبه فيجري من غير أخدود حيث شاء من قصوره وفي مجالسه».فهذه الأشياء كلها عيشة قد أعطت الرضا من نفسها، فهي فاعلة للرضا، وهي انذلت وانقادت بذْلًا وسماحة.ومعنى {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} يعني جَهَنَّم.وسماها أُمًّا، لأنه يأوي إليها كما يأوي إلى أمه، قاله ابن زيد.ومنه قول أمية بن أبي الصَّلْت: وسميت النار هاوية، لأنه يهوِي فيها مع بعدِ قعرها.ويروى أن الهاوية اسم الباب الأسفل من النار.وقال قتادة: معنى {فأمه هاوِية} فمصيره إلى النار.عكرمة: لأنه يهوي فيها على أم رأسه.الأخفش: {أمه}: مستقرّه، والمعنى متقارب.وقال الشاعر: والهاوية: المَهْوَاة.وتقول: هَوَتْ أمّه، فهي هاوية، أي ثاكلة، قال كعب بن سعد الغَنَوِيّ: والمَهْوَى والْمَهْواة: ما بين الجبلين، ونحو ذلك.وتهاوى القوم في المَهْواة: إذا سقط بعضهم في إثر بعض.{وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} الأصل {ما هي} فدخلت الهاء للسكت.وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وابن مُحيصِن {ما هِيَ نارٌ} بغير هاء في الوصل، ووقفوا بها. وقد مضى في سورة {الحاقة} بيانه.{نَارٌ حَامِيَةٌ} أي شديدة الحرارة.وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «نارُكم هذه التي يُوقِد ابنُ آدم جزء من سبعين جزءًا من حرّ جهنم» قالوا: والله إن كانت لكافية يا رسول الله.قال: «فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءًا، كلها مثل حرّها».وروي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: إنما ثقل ميزان من ثقل ميزانه، لأنه وضع فيه الحق، وحُقَّ لميزان يكون فيه الحق أن يكون ثقيلًا.وإنما خف ميزان من خف ميزانه، لأَنَّه وضع فيه الباطل، وحق لميزان يكون فيه الباطل أن يكون خفيفًا.وفي الخبر عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن الموتى يَسألون الرجل يأتيهم عن رجل مات قبله، فيقول ذلك مات قبلي، أما مرَّ بكم؟ فيقولون لا والله، فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون! ذُهِب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأمّ، وبئست المُرَبية» وقد ذكرناه بكماله في كتاب (التذكرة)، والحمد لله. اهـ. .قال الألوسي: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ موازينه} إلى آخره بيان إجمالي لتحزب الناس حزبين وتنبيه على كيفية الأحوال الخاصة بكل منهما أثر بيان الأحوال الشاملة للكل وهذا إشارة إلى وزن الأعمال وهو مما يجب الايمان به حقيقة ولا يكفر منكره ويكون بعد تطاير الصحف وأخذها بالايمان والشمائل وبعد السؤال والحساب كما ذكره الواحدي وغيره وجزم به صاحب كنز الأسرار بميزان له لسان وكفتان كإطباق السموات والأرض والله تعالى أعلم بماهيته وقد روى القول به عن ابن عباس والحسن البصري وعزاه في (شرح المقاصد) لكثير من المفسرين ومكانه بين الجنة والنار كما في (نوادر الأصول) وذكر يتقبل به العرش يأخذ جبريل عليه السلام بعموده ناظرًا إلى لسانه وميكائيل عليه السلام أمين عليه والأشهر الأصح أنه ميزان واحد كما ذكرنا لجميع الأمم ولجميع الأعمال فقوله تعالى: {موازينه} وهو جمع ميزان وأصله موازن بالواو لكن قلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها قيل للتعظيم كالجمع في قوله تعالى: {كذبتْ عَادٌ المرسلين} [الشعراء: 123] في وجه أو باعتبار أجزائه نحو شابت مفارقة أو باعتبار تعدد الأفراد للتغاير الاعتباري كما قيل في قوله:وزعم الرازي على ما نقل عنه أن فيه حديثًا مرفوعًا وقال آخرون يوزن نفس الأعمال فتصور الصالحة بصور حسنة نوارنية ثم تطرح في كفة النور وهي اليمنى المعدة للحسنات فتثقل بفضل الله تعالى وتصور الأعمال السيئة بصور قبيحة ظلمانية ثم تطح في كفة الظلمة وهي الشمال فتخف بعدل الله تعالى وامتناع قلب الحقائق في مقام خرق العادات ممنوع أو مقيد ببقاء آثار الحقيقة الأولى وقد ذهب بعضهم إلى أن الله تعالى يخلق أجسامًا على عدد تلك الأعمال من غير قلب لها وادعى أن فيه أثرًا والظاهر أن الثقل والخفة مثلهما في الدنيا فما ثقل نزل إلى أسفل ثم يرتفع إلى عليين وما خف طاش إلى أعلى ثم نزل إلى سجين وبه صرح القرطبي وقال بعض المتأخرين هما على خلاف ما في الدنيا وإن عمل المؤمن إذا رجح صعد وثقلت سيآته وأن الكافر تثقل كفته لخو الأخرى من الحسمات ثم تلا {والعمل الصالح يرفعه} [فاطر: 10] وفي كونه دليلًا نظر وذكر بعضهم أن صفة الوزن أن يجعل جميع أعمال العباد في الميزان مرة واحدة الحسنات في كفة النور عن يمين العرش جهة الجنة والسيئات في كفة الظلمة جهة النار ويخلق الله تعالى لكل إنسان علمًا ضروريًا يدرك به خفة أعماله وثقلها وقيل نحوه إلا أن علامة الرجحان عمود من نور يثور من كفة الحسنات حتى يكسو كفة السيئات وعلامة الخفة عمود ظلمة يثور من كفة السيئات حتى يكسو كفة الحسنات فالكيفيات أربع وستظهر حقيقة الحال بالعيان وهو قال القرطبي لا يكون في حق كل أحد لما في الحديث الصحيح فيقال يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن الحديث وأحرى الأنبياء عليهم السلام وقوله سبحانه: {يُعْرَفُ المجرمون بسيماهم} [الرحمن: 41] فيؤخذ بالنواصي والأقدام وإنما يبقى الوزن لمن شاء الله تعالى من الفريقين وذكر القاضي منذر بن سعيد البلوطي أن أهل الصبر لا توزن أعمالهم وإنما يصب لهم الأجر صبًا والظاهر أنه يدرج المنافق في الكافر والحق أن أعمالهم مطقلًا توزن لظواهر الآيات والأحاديث الكثيرة والمراد في الآية {وَزْنًا} والصحيح أن الجن مؤمنهم وكافرهم كالإنس في هذا الشأن كما قرر في محله والتقسيم فيما نحن فيه على ما سمعت عن القرطبي بالنسبة إلى من توزن أعماله لا بالنسبة إلى الناس مطلقًا وأنكر المعتزلة الوزن حقيقة وجماعة من أهل السنة والجماعة منهم مجاهد والضحاك والأعمش قالوا إن الإعمال أعراض إن أمكن بقاؤها لا يمكن وزنها فالوزن عبارة عن القضاء السوي والحكم العادل وجوزوا فيما هنا أن تكون الموازين جمع موزون وهو العمل الذي له وزن وخطر عند الله تعالى وأن معنى ثقلها رجحانها وروى هذا عن الفراء أي فمن ترجحت مقادير حسناته ورتبها.{فَهُوَ في عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} المشهور جعل ذلك من باب النسب أي ذات رضا وجوز أن تكون {رَّاضِيَةٍ} بمعنى المفعول أي مرضية على التجوز في الكلمة نفسها وأن يكون الإسناد مجازيًا وهو حقيقة إلى صاحب العيشة وجوز أن يكون في الكلام استعارة مكنية وتخييلية على ما قرر في كتب المعاني لكن ذكر بعض الأجلة هاهنا كلامًا نفيسًا وهو أن ما كان للنسب يؤول بذي كذا فلا يؤنث لأنه لم يجر على موصوف فالحق بالجوامد ونقل عن السيرافي أنع قال يقدح فيما عللوا به سقوط الهاء في {عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} وفيه وجهان:أحدهما: أن تكون بمعنى أنها {رَّاضِيَةٍ} أهلها فهي ملازمة لهم راضية بهم والآخر أن تكون الهاء للمبالغة كعلامة وراوية ووجه بإن الهاء لزمت لئلا تسقط الياء فيخل بالبنية كناقة مشلية وكلبة مجرية وهم يقولون ظبية مطفل ومشدان وباب مفعل ومفعال لا يؤنث وقد أدخلوا الهاء في بعضه كمصكة انتهى ثم قال إن هذا حقيق بالقبول ومحصله الجواب بوجوه:أحدها: ان {راضية} هنا فيه ليس من باب النسب بل هو اسم فاعل أريد به لازم معناه لأن من شاء شيئًا ورضى به لازمه فهو مجاز مرسل أو استعارة ويجوز أن يراد أنه مجاز في الإسناد وما ذكر بيان لمعناه.الثاني: إن الهشاء للمبالغة ولا تختص بفعال ولذا مثل برواية أيضًا.والثالث: أنه يجوز الحاق الهاء في المعتل لحفظ البلية ومصكة أما شاذا ولتشبيه المضاعف بالمعتل انتهى فاحفظه فإنه نفيس خلا عنه أكثر الكتب.{وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ موازينه} بأن لم يكن له حسنة يعتد بها أو ثقلت سيئاته على حسناته.{فَأُمُّهُ} أي فماواه كما قال ابن زيد وغيره {هَاوِيَةٌ} أريد بها النار كما يؤذن به قوله تعالى: {وَمَا مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ} فإنه تقرير لها بعد إبهامها والاشعار بخروجها عن المعهود للتفخيم والتهويل وذكر أن إطلاق ذلك عليها لغاية عمقها وبعد مهواها فقد روى أن أهل النار تهوى فيها سبعين خريفًا وخصها بعضهم بالباب الأسفل من النار وعبر عن المأوى بالأم على التشبيه بها فالام مفزع الولد ومأواه وفيه تهكم به وقيل شبه النار بالأم في أنها تحيط بها إحاطة رحم الولد بالأم.وعن قتادة وأبي صالح وعكرمة والكلبي وغيرهم المعنى فام رأسه هاوية في قعر جهنم لأنه يطرح فيها منكوسًا وفي رواية أخرى عن قتادة هو من قولهم إذا دعوا على الرجل بالهلكة هوت أمه لأنه إذا هوى أي سقط وهلك فقد هوت أمه ثكلًا وحزنًا ومن ذلك قول كعب بن سعد الغنوي: وفي (الكشف) أن هذا أحسن ليطابق قوله سبحانه: {فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} [القارعة: 7] وما فيه من المبالغة وقال الطيبي أنه الأظهر وللبحث فيه مجال والضمير أعني هي عليه للداهية التي دل عليها الكلام وعلى ما قدمنا لهاوية وعلى الوجه الثاني لما يشعر به الكلام كأنه قيل فأم رأسه هاوية في نار {وَمَا أَدْرَاكَ} إلخ والهاء الملحقة في هيه هاء السكت وحذفها في الوصل ابن أبي إسحاق والأعمش وحمزة وأثبتها الجمهور ورفع نار على أنها خبر مبتدأ محذوف أي هي نار وحامية نعت لها وهو من الحمى اشتداد الحر قال في (القاموس) حمى الشمس والنار حميًا وحميًا وحموا اشتد حرهما وجعله بعضهم على ما قيل من حميت القدر فهي محمية ففسره بذات حمى وهو كما ترى.وقرأ طلحة {فأمه} بكسر الهمزة قال ابن خالويه وحكى ابن دريد أنها لغة وأما النحويون فيقولون لا يجوز كسر الهمزة إلا أن يتقدمها كسرة أو ياء والله تعالى أعلم. اهـ. .قال ابن عاشور: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6)}تفصيل لما في قوله: {يوم يكون الناس كالفراش المبثوث} [القارعة: 4] من إجمال حال الناس حينئذ، فذلك هو المقصود بذكر اسم الناس الشامل لأهل السعادة وأهل الشقاء فلذلك كان تفصيله بحالين: حال حَسَن وحال فظيع.وثقل الموازين كناية عن كونه بمحل الرضى من الله تعالى لكثرة حسناته، لأن ثقل الميزان يستلزم ثقل الموزون وإنما توزن الأشياء المرغوب في اقتنائها، وقد شاع عند العرب الكناية عن الفضل والشرف وأصالة الرأي بالوزن ونحوهِ، وبضد ذلك يقولون: فلان لا يقام له وزن، قال تعالى: {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا} [الكهف: 105]، وقال النابغة:أي راجح وهذا متبادر في العربية فلذلك لم يصرح في الآية بذكر ما يُثقل الموازين لظهور أنه العمل الصالح.وقد ورد ذكر الميزان للأعمال يوم القيامة كثيرًا في القرآن، قال ابن العربي في (العواصم): لم يرد حديث صحيح في الميزان. والمقصودُ عدم فوات شيء من الأعمال، والله قادر على أن يجعل ذلك يوم القيامة بآلة أو بعمل الملائكة أو نحو ذلك.والعيشة: اسم مصدر العَيش كالخِيفة اسم للخوف.أي في حياة.ووصف الحياة بـ: {راضية} مجاز عقلي لأن الراضي صاحبها راض بها فوصفت به العيشة لأنها سبب الرضى أو زمان الرضى.وقوله: {فأمه هاوية} إخبار عنه بالشقاء وسوء الحال، فالأم هنا يجوز أن تكون مستعملة في حقيقتها.وهاوية: هالكة، والكلام تمثيل لحال من خفّت موازينه يومئذ بحال الهالك في الدنيا لأن العرب يكنون عن حال المرء بحال أمه في الخير والشر لشدة محبتها ابنها فهي أشد سرورًا بسروره وأشد حزنًا بما يحزنه.صلى أعرابي وراءَ أمام فقرأ الإمام: {واتخذ اللَّه إبراهيم خليلًا} [النساء: 125] فقال الأعرابي: لقد قَرَّت عينُ أمِّ إبراهيم. ومنه قول ابن زيابة حين تهدده الحارث بن همَّام الشيباني: ويقولون في الشر: هَوتْ أمه، أي أصابه ما تَهلك به أمه، وهذا كقولهم: ثكلته أمه، في الدعاء، ومنه ما يستعمل في التعجب وأصله الدعاء كقول كعب بن سعد الغَنوي في رثاء أخيه أبي المِغوار: أي ماذا يبعث الصبحُ منه غاديًا وما يردُّ الليل حينَ يؤوب غانمًا، وحذف منه في الموضعين اعتمادًا على قرينة رفع الصبح والليل وذِكر: غاديًا ويؤوب و(مِن) المقدَّرة تجريدية فالكلام على التجريد مثل: لقيت منه أسدًا.فاستعمل المركب الذي يقال عند حال الهلاك وسوء المصير في الحالة المشبهة بحال الهلاك، ورمز إلى التشبيه بذلك المركب، كما تضرب الأمثال السائرة.ويجوز أن يكون {أمه} مستعارًا لمقره ومآله لأنه يأوي إليه كما يأوي الطفل إلى أمه.و{هاوية} المكان المنخفض بين الجبلين الذي إذا سقط فيه إنسان أو دابة هلك، يقال: سقط في الهاوية.وأريد بها جهنم، وقيل: هي اسم لجهنم، أي فمأواه جهنم.ويجوز أن يكون {أمه} على حذف مضاف، أي أم رأسه، وهي أعلى الدماغ، و{هاوية} ساقطة من قولهم سقط على أم رأسه، أي هلك.{وما أدراك ما هيه}: تهويل كما تقدم آنفًا.وضمير {هِيه} عائد إلى {هاوية}، فعلى الوجه الأول يكون في الضمير استخدام، إذ معاد الضمير وصف هالكة، والمرادُ منه اسم جهنم كما في قول معاوية بن مالك الملقَّب معوِّذَ الحُكماء: وعلى الوجه الثاني يعود الضمير إلى {هاوية} وفسرت بأنها قعر جهنم.وعلى الوجه الثالث يكون في {هِيه} استخدام أيضًا كالوجه الأول.والهاء التي لحقت ياء (هِي) هاءُ السكت، وهي هاء تُجلب لأجل تخفيف اللفظ عند الوقف عليه، فمنه تخفيف واجب تجلب له هاء السكت لزومًا، وبعضه حسن، وليس بلازم وذلك في كل اسم أو حرف بآخره حركة بناء دائمة مثل: هو، وهي، وكيف، وثم، وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى: {فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرأوا كِتابيه} في سورة الحاقة (19).وجمهور القراء أثبتوا النطق بهذه الهاء في حالتي الوقف والوصل.وقرأ حمزة وخلف بإثبات الهاء في الوقف وحذفها في الوصل.وجملة: {نار حامية} بيان لجملة: {وما أدراك ما هيه}، والمعنى: هي نار حامية.وهذا من حذف المسند إليه الذي اتّبع في حذفه استعمال أهل اللغة.ووصف {نار} بـ: {حامية} من قبيل التوكيد اللفظي لأن النار لا تخلو عن الحَمْي فوصفها به وصف بما هوَ من معنى لفظ {نار} فكانَ كذكر المرادف كقوله تعالى: {نار اللَّه الموقدة} [الهمزة: 6]. اهـ.
|